الا قتصاد العربي

مغاوري شلبي

الأموال العربية.. هل ذهبت مع الريح؟

تضاربت التوقعات الاقتصادية
في أعقاب العمليات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية
يوم الثلاثاء الموافق 11-9-2001 ولكن الملاحظ أن المبالغة كانت السمة
الغالبة التي سيطرت على معظم هذه التوقعات، وفي نفس الوقت الذي انشغل فيه
الأمريكيون بحجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه العمليات على
اقتصادهم في الوقت الراهن أو في المستقبل، فإن جميع الدول ومنها الدول
العربية انشغلت بمدى تأثرها بهذه العمليات في الأجل القصير والطويل.


ورغم خروج بعض الخبراء من الاقتصاديين
العرب بتصريحات تقلل من تأثير الاقتصادات العربية بهذه الأحداث ولكن الصورة
التي أخذت وما زالت تتضح تأكد أن هناك آثارًا اقتصادية لهذه العمليات على
الدول العربية لا يمكن التقليل من شأنها، وأن هذه الآثار ربما تكون مرشحة
للتفاقم خلال الفترة القادمة، وهو ما يجعل هناك أهمية للتعرف على إجابة
للعديد من الأسئلة المطروحة في الشارع العربي وأهمها: أين الاقتصادات
العربية من هذه الأحداث؟ وكيف تسير الأمور في مختلف الأسواق العربية منذ
وقوع الحادث؟ وكيف ستكون الصورة في المستقبل القريب والبعيد؟ وهل من
إجراءات يمكن للعرب اتخاذها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ السطور التالية تحاول
إعمال آلة التحليل في هذه الموضوعات؛ لنعرف موضع أقدامنا في هذا الظلام
الدامس الذي يلف سماء الاقتصاد العالمي.

سحب الانفجارات تتجه شرقا

إن من يدعي أن الاقتصادات العربية لن تتأثر
كثيرًا بما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية يتجاهل الترابط العضوي بين
الاقتصاد الأمريكي وجميع الاقتصادات العربية حيث تعتبر الولايات المتحدة
الأمريكية الشريك التجاري الثاني للعرب بعد الاتحاد الأوروبي كتكتل اقتصادي
بل إن الولايات المتحدة الأمريكية تعد الشريك التجاري الأول لعدد من الدول
العربية، وكذلك تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية مستثمرا رئيسيا في جميع
الدول العربية، ويضاف إلى هذا الترابط العضوي ويعززه حجم الاستثمارات
العربية في الأسواق الأمريكية، وهذا يعني أن أي اهتزاز في استقرار الاقتصاد
الأمريكي سوف يؤثر بصورة مباشرة وغير مباشرة في الاقتصادات العربية
عمومًا، ويتفاوت حجم هذا التأثير بين الدول العربية بتفاوت درجة الارتباط
بالاقتصاد الأمريكي، ولذلك فإن هذا الترابط جعل الأحداث في الولايات
المتحدة الأمريكية تؤثر على مختلف الأسواق في الاقتصادات العربية وخاصة في
أسواق المال وأسواق العملات وأسواق السلع وهي البترول والذهب.

ويمكن رصد تأثيرات هذه الحدث على الاقتصادات
العربية في المجالات والأسواق المختلفة على النحو التالي:

أسواق المال العربية:

تأثرت معظم البورصات العربية في أعقاب
الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن الدكتور "جاسم المناعي"
رئيس صندوق النقد العربي قد نفى احتمالات تعرض أسواق المال العربية
للانهيار التام بسبب هذا الحادث فإنه أكد على أن تأثير الأسواق العربية
بهذا الحادث أمر مؤكد بسبب الترابط بين الأسواق العربية والسوق الأمريكي.

والواقع يؤكد أن الهبوط قد خيم على معظم
الأسواق العربية حيث هوت الأسعار والمؤشرات خلال الأيام التي أعقبت الحادث،
وبقيت دون المستوى مع وجود بوادر تؤكد أن الأوضاع بداخل الأسواق العربية
تحتاج إلى بعض الوقت حتى يستعيد المستثمرون ثقتهم، ففي سوق الأسهم السعودي
تراجعت الأسعار بمعدل 4.3% خلال يومي الثلاثاء والأربعاء من الأسبوع الذي
وقع فيه الحادث، وتراجع المؤشر العام بحوالي 110.04 نقطة، وفي البحرين هوت
أسعار الأسهم بسبب تراجع معنويات المتعاملين؛ تأثرًا بالحادث وتراجع المؤشر
العام لبورصة البحرين بحوالي 40.3 نقطة، وفي البحرين تراجعت أسعار الأسهم
بنسبة 3.5%، وبسبب التخوفات الواسعة من انهيار الأسهم في بورصة الكويت تم
إغلاق البورصة الكويتية يوم الأربعاء عقب الحادث ليتم بدء التعامل فيها يوم
السبت 15-9-2001 وسط تخوفات من حدوث بيع جماعي للأسهم وحدوث انهيار في
الأسواق، وفي مصر تراجعت الأسعار في البورصة بمعدل 3.5% ووصل تراجع أهم
الأسهم النشطة إلى الحد الأقصى الذي يتم وقف التعامل عند تحقيقه، وهو 5%،
وكانت الشركات المصرية التي لها شهادات إيداع دولية مسجلة في بورصة لندن
أكثر المتأثرين بسبب الخسائر التي لحققت بهذه الشهادات الدولية نتيجة
الإقبال الكبير من جميع المستثمرين على بيع هذه الشهادات.

كل ما سبق يؤكد على أن البورصات العربية كما
هو معروف عنها بأنها مرآة للأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، فهي تعتبر
أيضًا مرآة عكست الأزمة في الاقتصادي العالمي والأمريكي وآثارها على
الاقتصادات العربية، ومع ذلك يجب التأكيد على أن الأمر لم يتوقف عند هذا
الحد، ولكن ستظل حالة من الترقب والانتظار تسيطر على أسواق المال العربية
انتظارا لاستقرار الأوضاع الدولية، وقد يكون تأثر البورصات العربية أقوى
وأعنف في حالة توجيه أصابع الاتهام إلى إحدى أو بعض الدول العربية في هذا
الحادث، وهو ما يعني زيادة التوترات في المنطقة وحدوث هروب جماعي
للاستثمارات من البورصات العربية في حركة أشبه بـ"حركة القطيع" وهو ما
يفاقم الخسائر العربية على هذا الصعيد.

الاستثمارات العربية في الخارج:

على الرغم من أن الحجم الدقيق للاستثمارات
العربية في الخارج غير معروف في الولايات المتحدة الأمريكية فإنه بلا شك
مبلغ ضخم حيث تشير البيانات المتوفرة أن دول الخليج فقط لديها استثمارات في
الأسواق العالمية تصل إلى حوالي 200 مليار دولار، وتؤكد التحاليل أن هذه
الاستثمارات العربية ستتأثر بالأحداث الأمريكية وكذلك برد الفعل الأمريكي
المنتظر خلال الفترة القادمة، وهناك تقديرات تشير إلى أن خسائر المستثمرين
من الخليج قد تصل إلى حوالي 70 مليار دولار وذلك إذا تراجعت الأسواق
الأمريكية بنسبة 10% بسبب هذه الأحداث ورد الفعل الأمريكي المنتظر. وفي
تقدير أولي عقب الحادث تبين أن المستثمرين السعوديين خسروا حوالي 70% من
قيمة استثماراتهم في المرحلة الراهنة وذلك وفقًا لتقديرات أحد أكبر هؤلاء
المستثمرين وهو رجل الأعمال السعودي "عمر عبد الله كامل"، الجدير بالذكر أن
الاستثمارات السعودية في أمريكا تتراوح بين 40 و200 مليار دولار وهي في
الغالب استثمارات لبنوك تجارية سعودية وشركات وأفراد سعوديين.

وكذلك تأثرت معظم استثمارات الدول العربية
الأخرى في الأسواق الأمريكية بسبب هذه الأحداث، ولكن الخبراء ينصحون الدول
العربية (حكومات وشركات وبنوك وأفراد) بعدم الاندفاع نحو التخلص السريع من
هذه الاستثمارات لأنها ستتكبد خسائر كبيرة بسبب تراجع قيمتها الحقيقية، وقد
أخذت بعض الدول العربية بهذه النصيحة ومنها مصر حيث أعلنت أن البنوك
المصرية جمدت عمليات بيع استثماراتها في الأسواق الخارجية حتى يعاود
الاستقرار إلى الأسواق الدولية وتعود تدفقات رؤوس الأموال إلى طبيعتها.

حركة السلع:

تأثرت حركة السلع "صادرات وواردات" بين الدول
العربية، والولايات المتحدة الأمريكية وكذلك مع معظم دول العالم وذلك بسبب
تعطل حركة الطيران التجاري ووجود حالة من الترقب تخيم على حركة شركات
الملاحة والطيران في جميع أنحاء العالم؛ انتظارًا لرد الفعل الأمريكي، فعلى
سبيل المثال بدأت شعبة المستوردين في مصر تدرس بدائل للواردات الأمريكية
وذلك بسبب التوقف الشبه التام في حركة التجارة المصرية مع الولايات المتحدة
والذي يتوقع لها أن تستمر خلال الأسابيع القادمة بسبب ارتباك الخطوط
الملاحية وحركة النقل الجوي والبري.

وقد سادت حالة مماثلة في معظم الدول العربية،
وهو ما يعني وجود احتمالات قوية لارتفاع أسعار السلع الأمريكية في الأسواق
العربية وحدوث نقص في بعضها، بل إن المؤشرات تؤكد ارتفاع أسعار معظم هذه
السلع بالفعل واتجاه العديد من التجار إلى تخزينها والمضاربة عليها؛ لتحقيق
أرباح واستغلال الظروف الراهنة؛ وتحسبًا لرد الفعل الأمريكي المنتظر.

ولا شك أن استمرار تأثر الدول العربية في هذا
المجال قد يلحق أضرارًا واسعة ببعض الصناعات العربية التي تعتمد على
مستلزمات إنتاج مستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الصناعات التي
يعتبر السوق الأمريكي المستورد الرئيسي لها حيث ستتأثر أيضًا حركة
الصادرات العربية إلى الأسواق الأمريكية بل والعالمية أيضًا، وقد يتفاقم
هذا التأثير في حالة ضرب الولايات المتحدة لدول عربية أو إسلامية في منطقة

"الشرق الأوسط"، أو استمرار هذه العمليات
العسكرية المتوقعة لفترة طويلة، الأمر الذي يهدد حركة النقل العالمية ويؤثر
على حركة السلع من وإلى الأسواق العربية.

تجار الذهب:

تفاوتت تأثيرات الأحداث الأمريكية على تجارة
الذهب في الدول العربية من دولة إلى أخرى، رغم الارتفاع الكبير لأسعار
الذهب عالميًا (ارتفاع بحوالي 20 دولار للوقية) وكانت الأسواق السعودية
لتجارة الذهب أكثر الأسواق العربية تأثرًا بالحادث حيث ارتفعت الأسعار
بنسبة 6.4% وقد زاد سعر كيلو الذهب بحوالي 2000 ريال، وقد استغل البعض هذه
الظروف وقاموا بعمليات بيع للاستفادة من هذا الارتفاع غير المسبوق في
الأسعار. ولكن على الجانب الآخر حقق بعض المستثمرين السعوديين في تجارة
الذهب خسائر غير مسبوقة وخاصة في صفقات ما يعرف " بالبيع المفتوح للذهب"
وقد قدرت خسائر سوق الذهب السعودي بحوالي 42 مليون ريال سعودي خلال الساعات
القليلة التي أعقبت الحادث، في نفس الوقت تأثرت أسواق الذهب في معظم الدول
العربية بسبب الحادث وإن كان تأثرها أقل من حالة السعودية، ومن المتوقع
استمرار هذه الاضطراب في أسواق الذهب لعدة أيام مع احتمال زيادة الاضطرابات
في حالة قيام الولايات المتحدة ودول أخرى بعمل عسكري واسع النطاق في
المنطقة العربية.

البترول العربي:

كانت أسواق البترول أولى الأسواق العربية
تأثرًا بالأحداث الأمريكية حيث ارتفعت الأسعار بصورة ملموسة، وزاد سعر
البرميل بحوالي 5 دولارات خاصة للتعاقدات الآجلة، ولكن هذه الأسعار سرعان
ما تراجعت بسبب تعهد كبرتي دول الخليج وهما السعودية والكويت بأنهما
سيعملان على استمرار استقرار سوق النفط العالمي وعدم حدوث "شح نفطي" بسبب
العمليات الإرهابية في أمريكا، وقد ساعد على الاستقرار أيضًا تراجع الطلب
العالمي على النفط بمعدل 1.8 مليون برميل يوميًا بسبب توقف حركة الطيران
التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم هذا الاستقرار المؤقت الذي
يتعرض له سوق النفط العالمي حاليًا، فإن هذا الاستقرار سيكون عرضة للزوال
إذا قامت الولايات المتحدة بأي عمل عسكري يؤدي إلى عدم الاستقرار في منطقة
الخليج العربي.

ولا شك أن النفط سيكون ضمن أهم العوامل التي
ستدخل في حسابات الولايات المتحدة الأمريكية عند قيامها بأي عمل عسكري قادم
وربما تنتظر حتى السادس والعشرين من الشهر الجاري لترى ما ستقرره منظمة
أوبك في اجتماعها القادم في فيينا، ومهما كانت ملامح رد الفعل الأمريكي
وموقعه فإنه حتما سوف يؤثر على سوق النفط العربي ويرفع الأسعار العالمية،
ومن هنا سيكون الأثر مزدوجا على الدول العربية حيث ستستفيد الدول العربية
المصدرة للنفط وتحقق بعض المكاسب من زيادة سعر البرميل، في مقابل ذلك ستضار
الدول العربية المستوردة للنفط، أو الدول العربية المستوردة للمنتجات
البترولية أو الزيت الخام، وهو ما يعني أن تأثرات النفط العربي بالحادث ورد
الفعل الأمريكي المحتمل لها جانبان إيجابي وسلبي.

الإصلاح الاقتصادي.. ومستقبل مجهول

ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية سوف
يؤثر بلا شك على مستقبل برامج الإصلاح الاقتصادي في بعض الدول العربية؛
وذلك بسبب وجود مناخ اقتصادي غير مواتي لا يشجع على نجاح هذه البرامج حيث
ستؤثر الاهتزازات في أسواق المال والبورصات العالمية على برامج الخصخصة في
بعض الدول العربية وخاصة مصر حيث ستكون هذه الأسواق أقل قدرة على استيعاب
طرح أسهم هذه الشركات للبيع في ظل الظروف الراهنة، أيضًا ستتأثر الدول
العربية التي تتلقى دعمًا أمريكيًا لبرامج الإصلاح الاقتصادي التي تتم على
أراضيها ومنها مصر ولبنان والمغرب والأردن، وسوف يقع هذا التأثير على الدول
العربية سواء كان الدعم الأمريكي يتم من خلال تقديم معونات اقتصادية أو
فنية، أو يتم من خلال دعم مواقف الدول العربية أمام مؤسسات التمويل الدولية
وخاصة الصندوق والبنك الدوليين.

ويرى بعض الخبراء أن لبنان ستكون أكثر الدول
العربية تأثرًا في هذا المجال حيث سيتأخر انعقاد ما يعرف بـ"مؤتمر باريس"
الذي كان من المقرر انعقاده في أواخر هذا العام بمشاركة الدول الصديقة
للبنان ومنها الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يمكن أن ينجح هذا المؤتمر
بدون دعم الولايات المتحدة الأمريكية بسبب قوة تأثيرها على مؤسسات التمويل
الدولية وعلى الدول الأوروبية المانحة للمساعدات الاقتصادية للبنان.

بعد سرد هذه الآثار التي ألمت بالاقتصادات
العربية جراء ما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكننا التقليل من
شأن هذه الآثار، بل إن بعضها مرشح للتفاقم خلال الأيام القادمة إذا أدى رد
الفعل الأمريكي إلى زعزعة الاستقرار في "الشرق الأوسط"، وإذا أخذ العداء
و"الصراع الأمريكي –العربي الإسلامي" اتجاهًا متصاعدًا خاصة من جانب
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

لذلك على الدول العربية المسارعة بوضع آليات
عربية فاعلة جديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في ضوء هذه
الأحداث، والأحداث التي ستستجد خلال الأيام القادمة، ويجب أن تشمل هذه
الآليات الجوانب السياسية والاقتصادية على أن تشمل الجوانب الاقتصادية جميع
مفردات الاقتصاد العربي وأهمها البترول العربي، والتعامل بالدولار
الأمريكي، وتدفقات رؤوس الأموال، وتدفقات السلع وغيرها حيث إن كل هذه
المفردات تعتبر أسلحة بيد العرب في حالة وجود رد عسكري أمريكي متعجرف ضد
العرب والدول الإسلامية، وهكذا فإن العرب مطالبون بالتحرك من الآن دون
انتظار وقوع البلاء عليهم بيد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

الاقتصاد العربي

شكرا